المراحل التي يمر بها المستقل




من المستحيل أن يولد الشخص وفي يديه حاسب وانترنت وخبره تؤهله وتمكنه من الاتجاه الى العمل الحر، بالتأكيد سيمر بخطوات أو مراحل “قد لاتكون أحياناً مباشرة” لكنها بطريقة أو بأخرى تتسلسل لتصقل مهاراته وتحوله الى مستقل ناجح “بغض النظر عن معاير هذا النجاح”،
فقد يبدأ العمل في شركة أو عدة شركات ليستقيل ويتجه الى العمل الحر، أو قد يبدأ العمل الحر بطريقة “شبه مباشرة” فالعمل مع من حوله ثم يتجه الى نطاق أوسع ثم أوسع، الى أن يصبح العمل الحر مهنته وتوجهه وحياته كلها، لذا ماسأتحدث عنه هنا هو التسلسل الذي “قد” يمر به المستقل “ليس بالضرورة أن يكون مطابقاً” لكنه الأقرب والأكثر منطقية للحصول على الخبرة الحقيقية بالعمل الحر

المرحلة الأولى : أنا موظف

كما أسلفت ليس بالضرورة أن تكون هذه المرحلة موجودة، فقد يبدأ الشخص العمل بأسلوب بسيط دون المرور بالمرحلة الوظيفية، لكن برأيي الغالبية العظمى من المستقلين بدأ، موظفاً ولو بأبسط صورة ممكنه للوظيفة، خاصة وأن مجتمعنا العربي لايزرع مفهوم العمل الحر، بل لايفهمه أو يقدره، فمن حولك سواء أهلك أو أصدقائك ومجتمعك بشكل عام تكون نظرتهم للعمل الحر على أنه “مهنة من لامهنة له” أو هو تعبير واختصار لكلمة “عاطل عن العمل” فيتجه الشاب ببداية حياته الى العمل الوظيفي فيعمل في شركة خاصة بسيطة أو يحصل على فرصة ذهبية يحسده عليها الجميع للعمل في القطاع الحكومي الفاسد، فيبدأ العمل ويكتشف حجم العطالة فيه وان نسبة عمله في القطاع العام تكون  10 بالمئة بأفضل الاحوال – فان ناسبه هذا الأسلوب – أحبه وتمسك به وأصبح جزءاً من حياته – وان لم يناسبه، استقال من عمله، ليتجه الى شركة أخرى تقدر مهارته فتناسبه وتناسب تطلعاته، أوتوجه الى العمل الحر

المرحلة الثانية : أنا تائه

لنفرض جدلاً انه استطاع اقناع من حوله واقناع نفسه، وكان يملك تلك القوة والجرئة ليتحدى الجميع ويبدأ مشواره الشخصي في العمل الحر، فسيجد نفسه بعد عدة أيام كمن يجلس وحيداً في الصحراء، فلا زبائن يعمل معهم مباشرة، فلا يشعروه بذاك التحول – ولا شخص حوله ذو خبرة أو معرفه ليسانده ويضعه على الطريق الصحيح “على الأقل بالنصيحة”،  ثم يمر بفترة الركود والهدوء وتأنيب الضمير ولوم نفسه على ماقترف من ذنب، ليصل بعد فترة الى نقطة يقف فيها عند مفترق بين طريقين
الأول : العودة الى العمل الوظيفي وحفظ ماء وجهه على الأقل مع من حوله
والثاني : الاكمال بالطريق الذي اختراه وتحمل العواقب
وفعلياً أجد هذه النقطة هي النقطة الأساسية والمصيرية لكل من سيعمل بشكل حر، فهو الدرس الأقسى فان لم يلمك من حولك، ستبدأ بلوم نفسك، وتنصدم بالواقع المرير، فان كان واثق مما يفعل ومقتنعاً به – ووفقه الله – أكمل وبدأ مشوار الخبرة والعمل الحر ودخل في بداية هذا الطريق الطويل ..

المرحلة الثالثة : أنا مصدوم

غالباً لن تبدأ بمزاولة مهنتك عبر الانترنت أو مع الدول المجاورة، بل سيكون عملك مقتصراً على مع من حولك من الشركات أو المكاتب أو الأشخاص، معتمداً عمن لديه تلك الجرأة أو تلك الثقة .. ليسلمك عمله ويتحمل نتيجة تجربته “ففي مجتمعنا العربي ليس مفهوم العمل الحر هو المهمش فقط، بل مفهوم التعامل مع المستقل بحد ذاته مهمش ونوع من أنواع المغامرات التي تقوم بها مرة في حياتك، لذا ستذهب للقاء عميلك الأول، ويملؤك التفاؤل والثقة والابتسامة، فانت مستقل مبدع .. متوجه لعميل رائع، فيكون القاء الأول رائعاً يملؤه التشجيع وتملؤه ثقتك الذاتية بما تقوم به، وتبدأ العمل دون الالتفات الى أي شيئ آخر “حتى الجانب المادي” فاما أن تهمشه بحجة الخجل أو الخوف من فقدان العميل، أو تنساه بسبب سعادتك العارمة بعميلك الذهبي، فتبدأ العمل وتغيب مدة معينة عائداً بالغنائم، لتواجه أحدى هذه السناريوهات :
الأول : العميل غير راض بالعمل – الثاني : العميل الغى الفكرة – الثالث : العميل لم يعجب بالمقابل وأعطاك 8.5 بالمئة مما طلبت – الرابع : العميل أحبك وسيتعامل معك بشكل دائم “لكن بشكل مجاني” – أو بـ 6.75 بالمئة مما تستحق – الخامس : العميل اختفى من الوجود لسبب ما لاأحد يدري ماهو
هذه هي مرحلة الصدمة بالواقع التي يواجهها كل مستقل سواء ببداية مسيرته المهنية، أو حتى بمراحلها المتقدمة، لكن الفرق هو الخبرة في التعامل معها، أو الخبرة في الخروج منها وهو بكامل ليقاتك العقلية، فان كان ممكن يصر على اكمال مابدأه أكمل بوجود عميله الحالي أو لا، وبشروطه هو أم لا، وبالمقابل الذي حدده أو همشه، لكنه أكمل ..

المرحلة الرابعة : أنا مستقل

مستقلنا الجميل أكمل طريقه فلم يلتفت الى من حوله، ولالكلامهم واحباطاتهم، ولم يلتفت لعملائه المحبطين، فتعثر ونهض، وسقط وأكمل، وبدأ بالحصول على بعض العملاء المحلين “في مدينته وماحولها” ثم بدأ بالانتشار وحصل على عميله الخارجي الأول، فكان المقابل جيداً والخبرة رائعة، وتعامل مع شخص آخر فصدم وتوقف، ثم أكمل، وواجه مشاكل مع بعض عملائه بعضها كان بسبب ضعف الخبرة، فطور نفسه وأكمل، ومر بفترة جفاف طويلة لم يرى بها عميلاً واحداً .. فصبر وأكمل، حتى وصل لمرحلة جعلته يقتنع بأنه كان على صواب، وأنه فعلاً مستقل ولديه بعض العملاء المحليين والخارجين، وأصبح يسمي نفسه مستقلاً ..

بالنهاية

بالتأكيد لم ولن أشمل كل المراحل التي يمر بها المستقل – وماتحدثت عنه هنا هو المراحل الأساسية فقط – فهناك من مر بها كلها، ومن مر بجزء منها، ومن تجاوزها فأصبح استاذاً في العمل الحر، فهو طريق وأسلوب حياة، ومن منا يستطيع أن يشمل مراحل الحياة ومستوياتها، بتدوينة !؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق